Zum psychischen Mechanismus Der Vergesslichkeit - 1898

 عن الآلية النفسية للنسيان ١٨٩٨
سيجموند فرويد
ترجمة: محمد درويش

خبر كل منا بالتأكيد في نفسه أو لاحظ على الآخرين ظاهرة النسيان التي أريد وصفها ثم تعليلها هنا، وتميل هذه الظاهرة بخاصة إلى استخدام أسماء الأعلام –nomen propria- فتظهر نفسها عادة في الشكل التالي: وسط محادثة جارية نجد أنفسنا مجبرين على الاعتراف للشخص الذي نتحدث إليه أننا لا نستطيع أن نهتدي إلى أسم ما نريد أن نستخدمه في هذه اللحظة فنكون مجبرين على طلب عونه، غير المجدي عادة، "ما أسمه إذن؟ أسم معروف جدًا؛ إنه على طرف لساني؛ لقد طار من ذهني في هذه اللحظة". ويصاحب أيضًا مساعينا المتتالية لتذكر الاسم، الذي تولد لدينا إحساس Gefühl بأنه كان حاضرًا في ذهننا منذ لحظة مضت، شعور مؤلم باعث على الضيق بشكل جلي مماثل لذلك الذي للحبسات الحركيةmotorisch Aphasischen. وفي هذا المنحى يستحق مظهران مرتبطان اهتمامنا، أولهما: أن التوتر النشط المتعمد، مهما طال، للوظيفة التي نطلق عليها الانتباه يبدو بلا حيلة بإزاء إيجاد الاسم المنسي. وثانيهما: عوضًا عن الاسم الذي نبحث عنه إما أن يظهر أسم آخر نتبين على الفور أنه خاطئ ومن ثم نرفضه، على الرغم من إلحاحه مع ذلك على العودة من جديدwiederkehren ، أو قد نجد في ذاكرتنا، بدلًا من الاسم البديل، حرفًا أو مقطعًا لفظيًا، فنقول على سبيل المثال أنه: " يبدأ بالحرف ب". فإذا نجحنا في النهاية بطريقة أو بأخرى، في اكتشاف ما هو الاسم، سنجد في الغالبية العظمى من الحالات أنه لا يبدأ بالحرف "ب" بل ولا يحتوي إطلاقًا على هذا الحرف.

إن أفضل إجراء للقبض على الاسم المفتقد، كما هو معروف بعامة، "ألا نفكر فيه"، بمعنى أن نصرف عن هذه المهمة هذا الجزء من الانتباه الذي نضعه تحت مشيئتها، وبعد برهة سيقذف الاسم المنسي في ذهن المرء فجأة؛ ولن نستطيع أن نمنع أنفسنا من أن نلفظه بصوت عالٍ، وبشكل يثير دهشة مرافقنا، الذي يكون قد نسي بالفعل الحادثة، والذي لم يعد يبدي إلا اهتمامًا محدودًا بمجهودات المتحدث، والذي عادة ما يقول "أي فرق قد يصنعه ماذا يدعى هذا الرجل؟! فقط استمر في قصتك!" وطوال الوقت قبل أن يسوى الأمر، بل وحتى بعد الصرف المتعمد للانتباه، ينشغل المرء بدرجة لا يمكن تفسيرها بحجم الأهمية الذي يمكن أن يمثلها الشأن بأكمله١.

ولقد نجحت في بضعة حالات مشابهة من نسيان الأسماء، خبرتها أنا نفسي، بواسطة تحليل نفسي أن أضع يدي على العملية التي تتداخل في هذه المناسبة؛ وسأعرض بالتفصيل حالة من أبسط وأوضح الحالات في هذا القبيل: أثناء العطلة الصيفية ذهبت ذات مرة في نزهة بالعربة من المدينة الجميلة راجوزا Ragusa إلى بلدة قريبة في الهرسك Herzegovina، وكما يمكن أن نتصور دار موضوع محادَثتي مع رفيقي حول أحوال البلدين (البوسنة Bosnien والهرسك) وطباع سكانهما، وقد تحدثت عن التفردات العديدة للأتراك الذين يعيشون هناك كما سمعتها من صديق وزميل عاش بينهم كطبيب لأعوام
عدة. وبعد برهة تحولت محادثتنا إلى إيطاليا واللوحات، وأتيحت لي الفرصة أن أوصي بشدة رفيقي بزيارة أورفيتو Orvieto يومًا ما ليرى جداريتي نهاية العالم Weltuntergang ويوم الحساب letzten Gericht ، اللتين زين بهما رسام عظيم إحدى كنائس الكاتدرائية، ولكن اسم الرسام فر مني وصار من المستحيل تذكره على الرغم مما بذلت من جهدٍ في سبيل ذلك مسترجعًا أمام ذاكرتي كل تفاصيل اليوم الذي قضيته في أورفيتو Orvieto مبالغًا في التركيز حتى لا يمحى أدنى شيء أو يفقد وضوحه، للدرجة التي صرت معها قادرًا على استحضار اللوحات بحيوية حسية أكثر مما أقدر عليه في المعتاد، فرأيت أمام عيناي بمنتهى الوضوح البورتريه الشخصي للرسام بوجهه الجاد ويديه المتشابكتين والذي كان قد وضعه في أحد جوانب واحدة من لوحاته إلى جوار الرسام الذي سبقه في العمل، فرا أنجيليكو دا فيزولى Fra Angelico da Fiesole ، ولكن بقي أسم الرسام عصي في اختباءه وكذلك لم يستطع رفيقي مساعدتي على الخروج من هذا، ولم تنجح مجهوداتي المستمرة إلا في استدعاء اسمي اثنين من الرسامين والذين أعرف أنه من غير الممكن أن يكونا صحيحين؛ كان الأول بوتيتشيللي Botticelli أما الثاني فكان بولترافيو Boltraffio ٢ ، وهنا قد تقود التركيبة الصوتية بو Bo في الأسمين البديلين المبتدِيء إلى افتراض أنها تنتمي إلى الاسم المفقود ولكنني انتبهت جيدًا إلى أن تفادي هذا التوقع.

ولأنه لم يكن عندي أي كتب مرجعية أثناء الرحلة كان علي أن أتعايش لأيامٍ عدة مع قصور Ausfall الذاكرة هذا والعذاب الداخلي المرتبط به الذي ظل يراودني على فترات عدة كل يوم حتى التقيت بإيطالي مثقف حررني منه بإخباري الاسم: سينيوريللي Signorelli ، وكنت قد توصلت بنفسي إلى أسمه الأول لوكا Luca ، ولكن سرعان ما تبددت الذكرى الواضحة للغاية überdeutlich لملامح السيدMeisters شيئًا فشيئًا.

أي تأثيرات قادتني إلى أن أنسى اسم سينيوريللي المألوف جدًا لي والذي ينطبع في الذاكرة بسهولة شديدة؟ وأي مسارات قادت إلى استبداله بالأسماء بوتيتشيللي وبولترافيو؟ إن عودة قصيرة إلى الظروف التي وقع فيها النسيان كانت كافية لأن تلقي بالضوء على التساؤلين.

باختصارٍ، قبل أن أصل في حديثي إلى موضوع الجداريتين في كاتدرائية أورفيتو، كنت أخبر رفيق سفري عن شيء سمعته قبل عدة أعوام من زميل لي متعلق بأتراك البوسنة، إذ كانوا يعاملون الأطباء باحترامٍ خاص، وكانوا يظهرون، على النقيض تمامًا مع أناسنا، ميلًا للاستسلام لتصاريف القدر، فإن كان على الطبيب أن يخبر رب الأسرة أن أحد أقاربه على وشك الموت، فإن إجابته تكون: "سيدي Herr، ماذا هناك ليقال؟ إن كانت نجاته ممكنة فإني أعرف أنك ما كنت لتتأخر عن مساعدته". ثم تراكمت مجموعة أخرى من الذكريات إلى جانب هذه الذكرى، إذ أخبرني نفس الزميل عن الأهمية الطاغية التي يعلقها هؤلاء البوسنيون في سلمهم القيمي على المتع الجنسية، فقد قال له أحد مرضاه ذات مرة: "سيدي، يجب أن تعرف أنه لو وصل هذا لمنتهاه فإن الحياة ستكون بلا جدوى". وبدا لنا حينئذ أنه يجب افتراض وجود رابطة وثيقة بين السمتين في طباع البوسنيين كما استعرضناها هنا. ولكنني عندما تذكرت هذه القصص في نزهتي إلى البوسنة واريت الجزء الثاني الذي مس فيه موضوع الجنس، وسرعان بعد ذلك ما تفلت مني سينيوريللي وظهرت أسماء بوتيتشيللي وبولترافيو كبدائل.

إن التأثير الذي جعل من العسير الوصول إلى اسم سينيوريللي، أو كما اعتدت أن أقول "كبته Verdrängung"، لا يمكن أن يعمل إلا انطلاقًا من هذه القصة المواراة unterdrückten عن القيمة الممنوحة للموت والمتعة الجنسية، فإن كان الأمر كذلك فمن المحتمل بالضرورة الإشارة إلى وجود تمثلات وسيطة Zwischenvorstellungen خدمت في تأسيس رابطة بين الموضوعين، فالصلة في المحتوى –هنا يوم الحساب، يوم القيامة، وهناك الموت والجنس- تبدو واهية؛ ولأن الموضوع تعلق بكبت أسم من الذاكرة فمن المحتمل أن الأمر ينتج عن صلة بين أسم وآخر. ذاك أن Signor لها نفس دلالة Herr [السيد]، كما أن Herr حاضرة في أسم الهرسك Herzegovina ، وفضلًا عن ذلك لم يكن بلا جدوى أن الحديثين الذين كان علي أن أستدعيهما لكلا المريضين احتويا علي Herr [سيدي] كصيغة مخاطبة مع الطبيب. وترجمة Signor إلى Herr كانت هي المسار الذي اتخذته القصة التي واريتها بعد ذلك بكبت الاسم الذي كنت ابحث عنه، والأمر كله قد يبدو أكثر يسرًا إذ انتبهنا إلى حقيقة أنني في الأيام السابقة على ذلك كنت أتحدث الإيطالية باستمرار، أي أنني كنت قد اعتدت أن أترجم من الألمانية إلى الإيطالية في ذهني٣.

وأيضًا عندما بذلت جهدًا في تذكر أسم الرسام، أي استحضاره ثانية من الكبت، فإن تأثير الرابطة التي دخل فيها الاسم في نفس الوقت لا يملك إلا أن يكشف عن نفسه بوضوح، حقًا وجدت أسم فنان ولكنه ليس الاسم الصحيح، كان أسمًا مزاحًا، وقد زُود الخط الموَجِه للإزاحة Verschiebung بالأسماء المحتواة في الموضوع المكبوت، فأسم بوتيتشيللي Botticelli يحتوي نفس المقاطع النهائية من سينيوريللي Signorelli ؛ إلا أن هذه المقاطع النهائية التي تعاود الظهور على عكس الجزء الأول من كلمة Signor لا يمكن أن تعقد علاقة مباشرة مع الاسم Herzegovina ؛ ولكن تأثير أسم Bosnien [البوسنة] والذي يرتبط عادة مع اسم Herzegovina [الهرسك] أظهر نفسه في توجيه البديل نحو أسمي فنانين يبدآن بالمقطع بو Bo: بوتيتشيللي Botticelli ثم بولترافيو Boltrafio . لقد أعيق إذن اكتشاف أسم سينيوريللي Signorelli بواسطة الموضوع الكامن خلفه، والذي يظهر فيه الاسمان Bosnien و Herzegovina.

لا تكفي مواراتي لهذا الموضوع أثناء المحادثة لكي يصير قادرًا على إنتاج مثل هذه الآثار، الشيء الذي توجد له أسباب طارئة محتمة، بل فضلًا عن ذلك يجب أن نفترض أن الموضوع نفسه كان موجودًا في علاقة حميمة مع مسارات التفكير التي كانت عندي في حالة من الكبت، والتي، على الرغم من شدة الاهتمام بموضوعها، كانت تقابل بمقاومة من منظمة نفسية تمنعها من أن تكون فاعلة وبالتالي واعية. ولدي الكثير من الأدلة التي استقيتها من فحصي لذاتي، والتي لست بحاجة إلى أن أستحضرها هنا، على أن ذلك كان حقًا صحيحًا أثناء تناولي موضوع "الموت والجنس"، ولكن يمكن أن ألفت الانتباه إلى أثر واحد كانت نقطة انطلاقه صادرة عن هذه الأفكار المكبوتة، ولأن الخبرة علمتني أن كل منتج نفسي يتطلب حتمية متعددة لكي نصل إلى توضيحٍ كاملٍ له، لذا بدا لي إن الاسم الثاني Boltraffio يستدعي حتمية أبعد، وكنت حتى هذا الحين قد بررت حروفه الأولى بسجعها مع Bosnien ، ولكنني الآن أتذكر أن هذه الأفكار المكبوتة ما كانت لتستغرقني أكثر من ذلك لولا أنني كنت قد استلمت قبل بضعة أسابيع بعض الأخبار، وكان المكان الذي وصلتني فيه الأخبار يسمى Trafoi ترافوي، وهذا الاسم يشبه كثيرًا النصف الثاني من أسم Boltrafio لكي لا أكون قد تعرضت لتأثير حدد اختياري للأخير. وفي التخطيط التوضيحي الصغير التالي حاولت أن أعيد إنتاج العلاقات التي أصبحت الآن واضحة.

ربما ليس بلا طائل في حد ذاته أن نكون قادرين على اختراق تتابع واقعة نفسية من مثل هذا النوع، وهي فضلًا عن كونها من ضمن أهون الإزعاجات التي من الممكن أن تؤثر على التحكم في الجهاز النفسي هي في نفس الوقت متوافقة تمامًا مع الصحة النفسية السليمة. ولكن المثال الموضح يكتسب أهمية إضافية ذات شأن عندما نعلم أنه من الممكن أن يخدم بيسر كنموذجٍ للعمليات المرضية التي تظهر وفقًا لها الأعراض النفسية للأعصبة النفسية مثل الهستيريا والوساوس والبارانويا. وفي كلتا الحالتين نجد نفس العناصر ونفس لعبة القوى فيما بين هذه العناصر، وعلى نفس الوتيرة التي نجدها هنا وبواسطة تداعيات سطحية مماثلة يستحوذ مسار من الأفكار المكبوتة في الأعصبة على انطباع بريء حديث ويسحبه معه إلى القاع في الكبت، والآلية نفسها التي تتسبب في أن الأسماء البديلة بوتيتشيللي وبولترافيو تبزغ من سينيوريللي –على التحديد الإحلال بواسطة تمثلات وسيطة أو تمثلات توافقية Kompromissivorstellungen- هي أيضًا التي تتحكم في تكوين الأفكار الوسواسية والذكريات البارانوية الكاذبة Erinnerungstäuschungen. وقدرة مثل هذه الحالة من النسيان على أن تحرر بشكل مستمر اللا-لذة حتى اللحظة التي تحل فيها المشكلة -قدرة بخلاف أنها قد تكون غير مفهومة فمن المؤكد أنها لم تفهم من قبل المحاور- تتشابه تمامًا مع الطريقة التي تعمل بها كتلة من الأفكار المكبوتة على أن تربط قدرتها على إنتاج وجدان ما بعرضٍ يبدو محتواه  النفسي وفقًا لحكمنا غير ملائم على الإطلاق لكي يسمح بتحرير هذا الوجدان. وفي النهاية فإن حل كل التوتر بالتوصل للاسم الصحيح من
قبل شخص أجنبي هو في حد ذاته مثال جيد لكفاءة العلاج بالتحليل النفسي، والذي يهدف إلى تقويم عمليات الكبت والإزاحة وإزالة الأعراض بإعادة تشييد الموضوع النفسي الحقيقي.

ومن بين العوامل المتنوعة التي تؤدي إلى ضعف الذاكرة أو قصور التذكر لا يجب التغاضي عن الدور الذي يلعبه الكبت؛ وهو ما يمكن أن يظهر ليس فقط عند العصابيين ولكن، وبمسلك يبدو مماثلًا من حيث الكيف، عند الأناس العاديين أيضًا. ومن الممكن التأكيد بصفة عامة تمامًا أن اليسر، وفي نهاية الأمر الدقة المطلقة أيضًا، الذي يوقَظ به انطباع ما في الذاكرة لا يعتمد فقط على التكوين النفسي للفرد، أو قوة الانطباع عندما كان حديثًا، أو الاهتمام الموجه إليه في هذا الوقت، أو النمط النفسي في الوقت الحاضر، أو الاهتمام المكرس الآن في إيقاظه، أو الصلات التي استنتج فيها الانطباع... الخ، ليس فقط على مثل هذه الأشياء ولكن أيضًا على الطبيعة المفضلة أو غير المفضلة لذلك العامل النفسي الخاص الذي يرفض إعادة إنتاج أي شيء قد يحرر اللا-لذة، أو الذي قد تكون نتيجته تحرير اللا-لذة، وهكذا تكون وظيفة الذاكرة، والتي اعتدنا أن ننظر إليها كأرشيف متاح لأي شغوف، بهذه الطريقة معرضة للضرر نتيجة ميل الإرادةWillenstendenz ، مثلها مثل أي من أنشطتنا الموجهة نحو العالم الخارجي. ينكشف نصف سر النساوات الهستيرية عندما نقول أن الأناس الهستيريين لا يعرفون ما لا يريدون معرفته، ويقودنا علاج التحليل النفسي الذي يسعى لملء فجوات الذاكرة هذه على مدار عمله إلى اكتشاف أن استعادة هذه الذكريات المنسية تعارضه مقاومة معينة يجب أن نوازنها بعملٍ يتناسب مع حجمها. ولا يمكن بالطبع الادعاء بأي طريقة في حالة العمليات النفسية السوية تمامًا يتغلب باستمرار تأثير هذا العامل، أحادي الجانب في إحياء الذكريات، على كل العوامل الأخرى التي يجب أن تأخذ في الاعتبار٤.

وارتباطًا بالطبيعة المنحازة لتذكرنا ونسياننا، خبرت منذ زمن ليس بالبعيد نموذجًا إرشاديًا، إرشاديًا لأنه ضللت فيه نفسي، والذي ارغب في إلحاقه هنا. كنت قد أنتويت أن أقضي أربع وعشرين ساعة في زيارة لصديق لي يقطن في بلدة لسوء الحظ بعيدة جدًا، وكنت مفعمًا بالأشياء التي كنت سأخبره إياها، ولكن قبل ذلك توجهت كنتيجة لطارئ ما إلى زيارة أسرة من معارفي في فيينا، وكان أحد أعضائها قد انتقل إلى البلدة التي نتحدث عنها، لكي أحمل التحيات والرسائل لهذا القريب الغائب، وأخبروني أسم البنسيون الذي كان يقطنه وكذلك أسم الشارع ورقم المنزل، وبسبب ذاكرتي السيئة دونوا العنوان على بطاقة، وضعتها في حافظتي، وفي اليوم التالي عندما وصلت عند صديقي بادرته بالتالي "عندي فقط مهمة واحدة علي انجازها قد تتعارض مع وجودنا معًا، إنها زيارة وستكون أول شيء أفعله، العنوان في حافظتي" ولدهشتي لم يكن موجودًا هنالك، ومن ثم لم يبق أمامي من سبيل بعد كل شيء إلا العودة إلى ذاكرتي، وذاكرتي بالنسبة للأسماء وإن لم تكن جيدة بشكل خاص فهي بالمقارنة بما يخص الأعداد والأرقام أفضل كثيرًا، فربما أقوم بزيارات طبية لمنزل معين على مدار عام ومع ذلك إذا توجب علي أن أستقل عربة مع سائق جديد فإنني أجد صعوبة في تذكر رقم المنزل. ولكنني مع ذلك في هذه الحالة احتفظت في رأسي برقم المنزل، وكان فائق الوضوح كما لو أنه يسخر مني، ولكن بلا أي أثر في مستدعياتي لأسم البنسيون أو الشارع، لقد فقدت كل معطيات العنوان التي ربما تخدم كنقطة بداية في اكتشاف البنسيون، وتذكرت على عكس عادتي رقم المنزل الذي بلا أي فائدة في هذا الغرض، وكنتيجة لذلك لم أستطع أن أقوم بالزيارة. لقد عُزيت سريعًا بشكل واضح، وكرست وقتي كلية لصديقي، وعند عودتي ثانية إلى فيينا وأثناء وقوفي بمواجهة مكتبي، عرفت بلا أي لحظة من التردد أين كان، حيث كنت قد وضعت البطاقة بالعنوان المدون عليها أثناء شرود ذهني فوقه، ففي إخفائي اللاواعي أثناء الترتيب كانت نفس النية فاعلة تمامًا كما في نسياني المعدل بطريقة غريبة.
 

هوامش النص


1- ولا بأي إحساس لا-لاذ يتولد لدي المرء من كفه أثناء فعل نفسي.
2- الأسم الأول كان مألوفًا لي تمامًا؛ أما الثاني فقد كنت بالكاد أعرفه.
3- سيقول المرء ها هو تفسير "سطحي، مفروض" ومع ذلك فهذا الانطباع يجب بالضرورة أن ينتج لأن الموضوع الموارى يضغط بكل الوسائل ليقيم رابط مع الموضوع غير الموارى وبفعل هذا فإنه لا يعد رافضًا لمسار التداعي الخارجي، وهو نفس الموقف المفروض عندما نقوم بصياغة قافية.
4- سيكون من الخطأ الاعتقاد أن الآلية التي ألقيت عليها الضوء في هذه الصفحات تكون فاعلة فقط في حالات نادرة، بل هي على العكس شائعة جدًا، فعلى سبيل المثال في مناسبة كنت أنتوي فيها أن أصف حادثة صغيرة لزميل لي فر مني فجأة أسم مصدري عن قصص البوسنة، وكان السبب في هذا كالتالي: كنت قبل هذا مباشرة ألعب الورق، وكان اسم المصدر Pick [بيك]، و Pick و Hertz [التفاحة السوداء والقلب الأحمر] هما أثنان من الأشكال الأربع الموجودة في ورق اللعب، وأكثر من ذلك ارتبطتا الكلمتان بحكاية أشار فيها هذا الشخص لنفسه قائلًا "أنا لا أرعى Hertz ولكن Pick" كما أن Herz تظهر في أسم Herzegovina والقلب كعضو جسدي مريض لعب دورًا في الأفكار التي وصفتها بأنها كبتت.